الحکومة الذکية «دائرة الاهتمام»

على مدار العشريـن عامًا الأخيـرة، عکفت الحکومات على الإنفاق، الذي يهدف للاستثمار في التکنولوجيا الرقمية؛ سعيًا لدعم تطويـر إمکانات الحوکمة الفعَّالة، التـي تـرکِّز في المقام الأول على الأداء والجودة والعدالة والوثوقية في العمليات الحکومية. ولکن مع التقدم التکنولوجي الهائل والسريع، إلى جانب ارتفاع سقف توقعات المواطنيـن، فإن دور الحکومة لم يعد مقصورًا على التفاعل مع هذا التطور، وإنما يُنافس بضراوة من أجل لفت الانتباه.
واليوم، مع تـزايد فرص التحول الرقمي (Digitization)، يتوقع المواطنون توافر الخدمات الحکومية طوال اليوم، وعلى مدار الأسبوع (24/7) عبـر نظام النافذة الواحدة (single service window)، مع توافر أنظمة للاستجابة الفورية. ومن هنا تواجه أقسام الإدارة العامة العديد من التساؤلات، ويتعيـن عليها تخطي العديد من الحواجز المتعلقة بتصميم وتطويـر الهياکل الحکومية الرقمية الملائمة، التـي يُمْکنها تحسيـن مستوى مشارکة المواطنيـن، وفي الوقت نفسه تعزيـز کفاءة واقتصاد العمليات الحکومية بوجه عام.
وفي ظل هذا العالم الرقمي، الذي نعيش فيه اليوم، ولکي نعمل بالفعل على تحسيـن التحول إلى الحکومة الرقمية، فإننا بحاجة إلى رؤية شاملة لما ينبغي على الحکومة أن تـرکز جهودها عليه. ويحاول هذا الکتاب، کما يُشيـر عنوانه «دائرة الاهتمام»، توفيـر هذه الرؤية. ويمضي في تسليط الضوء على حجر الزاوية، الذي يجب أن تنظر له الحکومة بعيـن الاعتبار في مبادرات التحول، التـي تشرع بها حتى يتسنى لها إجراء عمليات تحول سلسة إلى هياکل مفتوحة تتمحور حول المواطن.
وربما قامت بعض الحکومات بتناول بعض مجالات العمل المطروحة هنا، ولکنها لم تستند في ذلک إلى خطة واضحة ومتکاملة کما يشيـر المؤلِّف، فالعناصر الموضَّحة بالکتاب عندما يتم تناولها بصورة شاملة ضمن استـراتيجيات حکومة إلکتـرونية وطنية، فإنها تتيح للحکومات إمکانية التـرکيـز على الأمور المهمة من وجهة نظر المواطنيـن على نحو استباقي.
وإننا، في هذا الکتاب، نحدد بعض الممارسات والمفاهيم الأساسية، التـي يجب أخذها في الاعتبار عند وضع استـراتيجيات تَحوّل الحکومات الوطنية. ويُقال إن لهذه العناصر آثارًا خطيـرة تنعکس على صانعي السياسات، والوکالات الحکومية المعنية بتصميم وتطويـر حکومة ذکية، يُمثل المستخدم محورها الرئيس (Smart User-Centric Government). ونستخدم - أيضًا - مفهوم «دائرة الاهتمام» «Circle of Attention» لتضييق مجال التـرکيـز في استـراتيجيات الحکومة الإلکتـرونية، کي يتسنى لنا النظر بعمق في الإجراءات، التـي من شأنها أن تُسفر عن مجموعات قيمة أعلى.
ونطمح أن يدعم هذا الکتاب تطويـر النقاش بيـن مختلف الأطراف الفاعلة في هذا النطاق بالغ الأهمية، کما ينبغي أن نُذکِّر أنفسنا - دائمًا - أننا لن نستطيع الدفع بعجلة تطويـر المعرفة، والوصول بها إلى مستويات أعلى دون مشارکة الأفکار والخبـرات.
ومن هذا المنطلق يأتـي هذا الکتاب في سياق اهتمام «المنظمة العربية للتنمية الإدارية»، التـي تعمل على تطويـر الممارسات الإدارية، وتحسيـن الأداء في القطاع العام، ومن ثَمَّ زيادة معدلات الإنتاجية في العالم العربي، من خلال تکامل الأنظمة والخدمات وأتمتتها، وهو ما يؤدي بدوره إلى تعزيـز کفاءة وفعالية الحکومات، التـي تتمحور حول المواطن من أجل الوصول إلى مستويات فائقة من رضا المواطنيـن.
وقد وجدت المنظمة العربية للتنمية الإدارية اتساقًا بيـن محتوى الکتاب واستـراتيجية المنظمة، والتوجهات التـي حددها وزراء الخدمة المدنية وتطويـر الموارد البشرية في العالم العربي. وهو حقًا کتابٌ مميـزٌ، ويُعدُّ إضافة قيِّمة لإصدارات المنظمة، ونوصي الجميع بقراءته.